ارشيف الكرةالأخبار العربيةالدوري العراقي
في ذكراها ال46 الشرطة يمنح اللقب لفريق اسرائيلي و يشرف العرب
في ذكراها ال46 الشرطة يمنح اللقب لفريق اسرائيلي و يشرف العرب
من ذاكرة الملاعب: آليات الشرطة
بقلم د كاظم العبادي – مونديال
في اليوم الثاني من نيسان عام 1971 كنت انتظر بحماسة فتى شديد الشكيمة بدء مباراة العراق في بانكوك، أحدث انتظار المباراة في نفسي تشويقا عاليا، ونقش في نفسي عِبرة لا تنسى. حبسنا أنفاسنا، حين نزل عبد كاظم ورفاقه إلى الملعب الرئيس في بانكوك التايلندية، رافعين راية العرب علم فلسطين و هم يركضون في الملعب.
كانت الراية ترفرف بين أيدي اللاعبين في مشهد يخطف الأبصار، ويهز القلوب، ويثير الحماسة، كان شكلا من أشكال التعبير الرياضي الحرّ والمسؤول. لم نكن نعلم بعد ما الحكاية، لقد ادخلنا اللاعبون في متعة غامضة حولت ملعب كرة القدم إلى مكان حرّ لإعلان موقف مشرّف يساند قضية العرب قضية فلسطين.
استنفروا حواسنا وإحساسنا، وعلا الأدرينالين في أجسادنا إلى حدّ جعل الحدث يُدخلنا في متعة جديدة من الدهشة حين طوقنا سؤال: ماذا حدث هناك؟
وقع الخبر مثل صاعقة على رؤوس اللاعبين حينما بلغ ممثل العراق فريق آليات الشرطة في بطولة الأندية الآسيوية الرابعة انهم سيلعبون مع فريق مكابي تل ابيب.
لم يكن الأمر مجرد لعبة في بطولة كروية بالنسبة للاعبي آليات الشرطة، بل قضية أمّة. فما كان منهم إلا أن دخلوا الملعب شامخين رافعين علم فلسطين.
كان العلم يرفرف فوق رؤوسهم المرفوعة بعزة حضارة العراق العظيمة التي سطرت على جباههم. رقّت القلوب، ودمعت العيون، وعلا التصفيق، والهتاف.
لقد غيروا المشهد، إذ حولوا ملعب الكرة إلى فضاء حي اثبتوا فيه أن كرة القدم ليست مجرد لعبة إنما هي حوار أصدقاء في مشهد رياضي مفعم بالحماسة.
لذلك رفضوا خوض المباراة، فلا ينبغي أن يكون التحاور الكروي إلا مع أصدقاء. تعاطف الجمهور التايلندي مع فريق آليات الشرطة وانزوى فريق مكابي خاسئا حسيرا حين تحول الملعب إلى مكان لإعلان المواقف وتحديد الأدوار.
فكان أن رفض الفريق خوض مباراة يؤدي فيها دور الخصم المتصالح مع ما يمثله فريق مكابي تل ابيب. انتصر فريقنا لقضية فلسطين في موقف بطولي حضاري لقن العالم درسا ملخصه: كلنا فلسطين.
اثبت فريق آليات الشرطة القوي أن خوض مباراة في بطولة آسيا للأندية ليست بأهم من اتخاذ موقف مشرف تجاه قضية العرب. وأثبت أن ملاعب كرة القدم يمكن أن تكون فضاء للتعبير الحرّ عن الموقف أمام العالم. ذلك اليوم، عرفت أن لنا قضية. و لأول مرة سكبت عيني دمعة منبعها الإحساس بالفخر، كان كبرياء اللاعبين أغلى من الفوز بالمباراة، وأعمق تأثيرا، لقد ذقت حلاوة شرف الموقف، وعرفت أن كرة القدم مسؤولية أخلاقية و وطنية و شكل من أشكال التعبير عن الموقف. حينما رفع اللاعبون راية فلسطين، وطافوا الملعب، فعلوا ما يترتب عليهم من سلوك أخلاقي وطني من فريق عربي يمثل كل العرب.
ركضوا رافعين العلم الفلسطيني، حاملين كرامة الأمة، ونقشوا في الروح إيمانا عميقا بأن العرب جميعا أخوة، وما اختلافنا إلا قشور. عاد الفريق إلى بغداد بطلا غير متوج. عاد بطل الموقف، وقد لقن العالم درسا في الرجولة، فما حدث في بانكوك فِعل بطولي مشرّف لكل عراقي، وتعبير قوي واضح يعلن للعالم أن فلسطين لن يطويها النسيان أبدا.
عادوا من بانكوك حاملين كأس الشرف، أبطالا كما يجب أن يكونوا، ويكون كل عربي في أي موقع كان. أسفا، أهملت حادثة بانكوك. لم يسلط عليها الضوء. شطبت قصدا من الذاكرة الموثقة من تاريخ الملاعب، وألغي المشهد من سجلات الميديا والأرشيف الرياضي، كما لم يتحدث أحد عن مفخرة العراقيين هذه، مع أن قصص البطولات ـ في العادة ـ تروى للأجيال. عجبا، كيف لمثل هذا الشرف أن يسكت عنه! يتعبني ظني، فاستنهضت شكوكي سؤالا موجعا لم أجد له جوابا: لماذا حُلّ فريق آليات الشرطة بعد حاثة بانكوك دون داع وتم شطبه من التاريخ الكروي العراقي؟! أنا لا أحب تصديق فكرة المؤامرة، لذلك أخشى البحث عن الإجابة. مع ذلك إن جاز لي التمني فإنني آمل أن يعود الفريق من جديد. صدقا، لم أشجع فريقا من غير فرق المنتخبات سوى فريق آليات الشرطة، بعد هذا الموقف. مهما حاولوا شطب التاريخ يبقى في الذاكرة منه شيء لا يموت. وها أنا أتذكر بصوت عال في نهار مشرق بعد حقبة من الزمن بعض سطور من تاريخ الملاعب. أحببت أن أشارككم الذكرى، تخليدا للحادثة وأبطالها بهذه المقالة، فما فارق القرطاس ضاع.
أرسل تحيتي إلى اللاعبين الأبطال الذين سطروا بطولة الموقف على ملعب كرة قدم، ولا يسعني إلا أن أسميهم واحدا واحدا كي لا ننسى عبد كاظم ورفاقه الذين نفضوا العار عن كاهل كرة القدم العراقية وعلمونا كيف تخاض الملاعب مع قوة إعلان الموقف وهم : اللاعب دكلص عزيز، ومظفر نوري، وستار خلف، ولطيف شندل، وصباح حاتم، ورياض نوري، ورياض شاكر، وطارق خضير، وطارق عزيز، وشاكر اسماعيل، وعصام خليل، و زاريه، وفانوس الأسدي، وجاسب شند، ومنعم حسين، وغانم عبد المجيد، وهاني تركي.
دائما نجدد لهم العهد ونقتبس منهم الموقف الحر على مدى السنين. ومن عبير الذكرى التي فاحت بأجوائي، أهديكم مسك الذكريات لعل من يقرأ هذه الحادثة يتنشق منها العِبَر: أن حضارة العراق، هي أم الحضارات، وهكذا ستظل إلى الأبد. وأن كرة القدم لملعب ضمني يخاض فيه الموقف. وبأننا في كل زمن سنردد من ملاعب الكرة هذه الأبيات:
بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان
جانب مصور من رحلة الاليات الى تايلاند و العودة و الاستقبال في المطار